(Go: >> BACK << -|- >> HOME <<)

Go to main Amnesty International website

أيرين خان

الحرية والخوف

في 10 ديسمبر/كانون الأول 2006، وبينما كان العالم يحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان، كنت أنا في جَيّوس بالضفة الغربية. وهذه القرية الصغيرة أصبح يقسمها اليوم "جدار"، أو إن شئت مزيداً من الدقة، سورٌ حديديٌّ مرتفع. وكان بناء هذا الجدار، الذي يمثل استخفافاً بالقانون الدولـي، يهدف في الظاهر إلى زيادة أمن إسرائيل، لكـن النتيجة الرئيسية له هي الفصل بين السكان الفلسطينيين المحليين وبين بساتين موالحهم ومزارع أشجـار زيتونـهم. وهكذا فإن ذلك المجتمع الزراعي الذي كان يعرف الرخاء يوماً ما قد سقط في هوة الفقر.

وقال أحد المزارعين الفلسطينيين الغاضبين "إنني أُضطر كل يوم إلى مكابدة امتهان الوقوف في نقـاط التفتيش، والعوائق السخيفة والقيود الجديدة التـي تحول بيني وبين الوصول إلى بستاني في الجانب الآخر. فإذا لم أستطع زراعة زيتوني، فكيف أظل على قيد الحياة؟".

وكنت أثناء استماعي له أتطلع، في آخر مرمى الطرف، إلى الأسقف الحمـراء الجميلة والجدران البيضاء في مستعمرة إسرائيلية ضخمة ومزدهرة. وتساءلت في نفسي إن كان من يقيمون فيها يؤمنون فعلاً بأن بوسع ذلك الجدار، الذي يهدد مستقبل جيرانهم، أن يعزز أمنهم حقاً.

وفي وقت سابق من ذلك الأسبوع، كنت قد زرت بلدة صغيرة في جنوب إسرائيل اسمها سديروت، وكانت قـد تعرضت لهجمات صاروخيـة من جماعات فلسطينية في غزة.

وقالت لي إسرائيلية شابة تقيم فيها "إننا خائفون، لكننا نعرف أن في الجانب الآخر نساءً مثلنا يعانين أيضاً، ويَعشْنَ في خوف أيضاً، وهُنَّ أسوأ حالاً منا. إننا نتعاطف معهن ونريد أن نعيش في سلام معهن، ولكن قادتنا يزيدون من الخلافات بيننا ويغرسون المزيد من الشكوك. وهكذا نعيش في خوف محرومات من الأمن".

كانت المرأة الإسرائيلية الشجاعة تفهم ما عجز كثيرون من قادة العالم عن فهمه، أي إن الخوف يدمر فهمنا المشترك وإنسانيتنا المشتركة. فعندما نعتبر الآخرين تهديداً لنا، وعندما نصبح على استعداد للمساومة على حقوقهم الإنسانية تحقيقاً لأمننا، فإننا نلقي بأنفسنا في دائرة مفرغة لا تؤدي إلى شيء.

إن رسالتها تدفعنا إلى التعقل في وقت يخضع فيها عالمنا لاستقطاب مشابه لما كان عليه في ذروة الحرب الباردة، وإن كانت الأخطار أشد اليوم من عدة جوانب. فالواقع أن حقوق الإنسان – أي تلك القيم العالمية، والمبادئ العامة، والمعايير المشتركة التي قُصد بها أصلاً التوحيد ما بيننا – تُهْدَرُ اليوم في مقايضات باسم الأمن، كحالها في ذلك الوقت. فجدول الأعمال اليوم، مثلما كان عليه في زمن الحرب الباردة، يتحكم فيه الخوف، الذي يحفزه ويحض عليه، ويطيل أمده بعضُ القادة الذين تجردوا من المبادئ.

وقد يكون الخوف دافعاً إيجابياً على التغيير، كما يحدث في حالة البيئة، إذ إن الانزعاج من الاحتباس الحراري على مستوى العالم يرغم الساسة على اتخاذ بعض الإجراءات، وإن جاءت متأخرة. ولكن الخوف قد يكون أيضاً مصدراً للخطر والانقسام عندما يولِّد التعصب، ويشكل تهديداً للتنوع، ويبرر الافتئات على حقوق الإنسان.

وفي عام 1941 كان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت قد طرح رؤيته لنظام عالمي جديد يقوم على "الحريات الأربع"، ألا وهي: حرية التعبير، وحرية الدين، والتحرر من الخوف ومن الحاجة. وكان روزفلت نموذجاً للقيادة الملهمة التي تتغلب على الشك وتوحد بين الناس. أما اليوم فما أكثر القادة الذين يدوسون بأقدامهم على الحرية ويعلنون وجود نطاق ما يفتأ يتسع من المخاوف، كالخوف من أن يكتسح المهاجرون البلد، والخوف من "الآخر" وفقدان الهوية، والخوف من القتل بقنابل الإرهابيين، والخوف من "دول الشر" التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل.

ويزدهر الخوف في ظل القيادة التي تتسم بالجبن قِصر النظر. والحق أن للخوف أسباباً حقيقية كثيرة، ولكن المنهج الذي يتخذه الكثيرون من قادة العالم يتسم بقصر النظر، إذ يضع سياسات وإستراتيجيات تهدر سيادة القانون وحقوق الإنسان، وتزيد من مظاهر التفاوت، وتغذي العنصرية وكراهية الأجانب، وتؤدي إلى فصم عرى المجتمعات والإضرار بها، وتغرس بذور العنف وتؤجج الصراع.

وقد ازداد تعقيد السياسات القائمة على الخوف بسبب ظهور الجماعات المسلحة والشركات التجارية الكبرى التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان أو توافق عليها. والواقع أن هذين الطرفين، وإن اختلفت أساليب كل منهما، يتحديان سلطة الحكومات في عالم يزداد فيه زوال الحدود ما بين الدول. وليس بوسع الحكومات الضعيفة والمؤسسات الدولية العاجزة مساءلة هذين الطرفين، وهو ما يجعل البشر فريسةً سائغةً للخوف.

ويبين التاريخ أن التقدم لا يتحقق بالخوف بل بالأمل والتفاؤل. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يعزز بعض القادة الخوف؟ والجواب بسيط: فالخوف يتيح لهم توطيد سلطتهم، وترسيخ يقين زائف، وتفادي المساءلة.

فعلى سبيل المثال، لجأت حكومة هوارد في أستراليا إلى رسم صورة لطلاب اللجوء المستميتين الذين يركبون قوارب مثقوبة باعتبارهم يشكلون خطراً على الأمن القومي الأسترالي، وأخذت تطلق تحذيرات زائفة من أن اللاجئين يغزون البلاد، وهو الأمر الذي ساهم في نجاحها في انتخابات عام 2001 . وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، استند الرئيس الأمريكي جورج بوش على الخوف من الإرهاب في زيادة سلطاته التنفيذية، دون إشراف من الكونغرس، أو فحص من جانب القضاء. وأثار الرئيس السوداني عمر البشير المخاوف بين مؤيديه وفي العالم العربي من أن نشر قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور سوف يكون ذريعة لغزو تقوده الولايات المتحدة، على غرار غزو العراق. وفي غضون ذلك، واصلت قواته المسلحة والميليشيات المتحالفة معه أعمال القتل والاغتصاب والنهب، وهي بمنجاة من العقاب. واستغل الرئيس روبرت موغابي، رئيس زمبابوي، إثارة المخاوف العنصرية في تحقيق برنامجه السياسي الخاص بالاستيلاء على الأراضي لمؤيديه.

ولن يتحقق الحل الدائم إلا من خلال التزام مشترك قائم على القيم المشتركة. إذ إن التحديات العالمية في عالم يزداد تكافله، مثل التحدي الذي يمثله الفقر أو الأمن، أو الهجمة أو التهميش، تتطلب استجابات قائمة على القيم العالمية لحقوق الإنسان، فهي وحدها التي تستطيع لَمَّ الشمل وتعزيز رفاهيتنا الجماعية. فحقوق الإنسان تمثل الأساس اللازم لمستقبل ثابت. ولكن السائد حالياً، على ما يبدو، هو حماية أمن الدول لا حماية أرواح الناس وأرزاقهم.

الخوف من الهجرة والتهميش

تستغل السلطات في البلدان المتقدمة، بل وفي الاقتصاديات الناشئة، الخوف من التعرض لغزو جحافل الفقراء في تبرير اتخاذها لإجراءات أشد صرامة ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، وكذلك تبرير انتهاك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومعايير المعاملة الإنسانية.

وقد أصبحت إجراءات اللجوء تخضع للقواعد السياسية والأمنية للرقابة على الحدود، حتى غدت من وسائل الاستبعاد لا الحماية. فعلى مر السنين، انخفضت معدلات الاعتراف باللاجئين انخفاضاً كبيراً في شتى أرجاء أوروبا، وإن كانت أسباب طلب اللجوء، مثل العنف والاضطهاد، لا تزال قوية كعهدها دائماً.

ومن صور النفاق الذي تتسم به السياسات القائمة على الخوف أن تدين الحكومات بعض الأنظمة الحاكمة وترفض في الوقت نفسه حماية الهاربين منها؛ إذ أدانت الحكومات الغربية سياسات حكومة كوريا الشمالية، ولكن هذه الحكومات نفسها لا تقول إلا أقل القليل من مصير نحو 100 ألف شخص من كوريا الشمالية، يُقال إنهم يختبئون في الصين، وتقوم السلطات الصينية بترحيل المئات منهم قسراً كل أسبوع إلى كوريا الشمالية.

ويمثل العمال المهاجرون "وقود" آلة الاقتصاد العالمي، ولكن الحكومات في شتى أنحاء العالم – من دول الخليج إلى كوريا الجنوبية إلى الجمهورية الدومينيكية – ترفض استقبالهم بقوة غاشمة، وتستغلهم، وتمارس التمييز ضدهم، وتتركهم دون حماية.

وقد غرق، أو كان في عداد المفقودين في البحر، ستة آلاف إفريقي في عام 2006 أثناء محاولتهم المستميتة الوصول إلى أوروبا. ونجح 31 ألف شخص آخرين، أي ستة أضعاف العدد في 2005، في الوصول إلى جزر الكناريا. ومثلما عجز سور برلين عن منع فرار الهاربين من القمع الشيوعي، فإن الرقابة المشددة على حدود الدول الأوروبية تعجز عن منع دخول الساعين إلى الفرار من الفقر المدقع.

ولا يكمن الحل على المدى الطويل في بناء الأسوار لمنع دخول الناس بل في تعزيز النظم القادرة على حماية حقوق المستضعفين مع احترام حق كل دولة في السيطرة على الهجرة. وتوفر المواثيق الدولية هذا التوازن. والواقع أن محاولات إضعاف "اتفاقية اللاجئين" الصادرة عن الأمم المتحدة، أو التنصل من "اتفاقية العمال المهاجرين" الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي لم تصادق عليها دولة غربية واحدة، هي محاولات سوف تأتي بنتائج عكسية.

وإذا كانت الهجرة غير النظامية هي ما يخافه الأغنياء، فإن الرأسمالية المعربدة التي تغذيها العولمة هي ما يخافه الفقراء. فالأسواق المزدهرة تقدم فرصاً هائلة للبعض، ولكنها في الوقت نفسه تزيد من توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إذ إن ثمار العولمة تتسم بالانحراف الشديد، على مستوى العالم وداخل البلدان أنفسها. فأمريكا اللاتينية يثقل كاهلها عدد من أعلى مستويات التفاوت في العالم. ورغم استمرار نمو الاقتصاد في الهند بمعدل يزيد على سبعة في المئة سنوياً على امتداد نصف العقد الماضي، فما زال أكثر من ربع السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وتكشف هذه الإحصائيات عن الباطن الحالك للعولمة. وينبغي عدم النظر إلى تهميش شرائح ضخمة من البشر باعتباره من التكاليف المحتومة للازدهار العالمي. فليس هناك شيء محتوم في السياسات والقرارات التي تنكر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد.

وقد وضعت منظمة العفو الدولية برنامجاً متنامياً للعمل في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يرمي إلى الكشف عن حقيقة الخوف لدى الناس، ألا وهي أن بعض الحكومات الفاسدة والشركات التجارية الجشعة تلقى بالبشر في هوة الفقر التي لا خلاص منها.

ولما كانت متطلبات التعدين والتنمية الحضرية والسياحة تمثل ضغوطاً على الأراضي في شتى أنحاء إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فإن ملايين البشر في مجتمعات محلية بأكملها يتعرضون للإجلاء قسراً من منازلهم دون تطبيق الإجراءات القانونية الواجبة، ودون تعويض، ودون توفير مأوى بديل لهم. وكثيراً ما تُستخدم القوة المفرطة في إخراج الأفراد من ديارهم، بحيث نشأت مشكلة جديدة هي النزوح بسبب التنمية. ومع ذلك، فلا يبدو أن أحداً قد تعلم شيئاً يُذكر من خبرة الماضي. ففي إفريقيا وحدها زاد عدد النازحين منذ عام 2000 عن ثلاثة ملايين بحيث أصبح الإجلاء القسري من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً في القارة وأقلها اعترافاً بوجوده. إذ إن حالات الإجلاء القسري تجري باسم التقدم الاقتصادي، لكنها تؤدي إلى تشريد أفقر الفقراء، وكثيراً ما تحرمهم من المياه النقية، أو الرعاية الطبية، أو المرافق الصحية، أو العمل أو التعليم.

ولطالما كانت إفريقيا ضحية جشع الحكومات والشركات الغربية. وهي تواجه الآن تحدياً جديداً من الصين، إذ لا تبدي الحكومة والشركات الصينية اكتراثاً يُذكر لما يسمى "أثر حقوق الإنسان" في القارة. فقد كان من شأن الموقف الصيني المتمثل في الإذعان للسيادة الوطنية، والنفور من حقوق الإنسان في السياسة الخارجية، والاستعداد للتعامل مع النظم الحاكمة الظالمة، أن يجعل الحكومات الإفريقية تشعر بالود تجاه الصين. ولكن هذه الأسباب نفسها هي التي تجعل المجتمع المدني في إفريقيا لا يبدي نفس الترحيب بالصين. والواقع أن الشركات الصينية لا تراعي المعايير الدولية في معاملة العمال، ولا في رعايتهم الصحية أو ضمان سلامتهم. فالصين هي أكبر مستهلك للنفط الذي تنتجه السودان ومن أكبر موردي الأسلحة للسودان، وذلك ما يجعل الصين تحمي السودان من الضغوط التي يبذلها المجتمع الدولي، ولو أن بعض الدلائل تشير إلى أنها قد تُعدِّل من موقفها.

وقد أدى ضعف بعض الدول وفقرها الشديد وفساد حكومتها المتأصل إلى إيجاد فراغ في السلطة تغزوه الآن بعض الشركات وغيرها من القوى الاقتصادية. ففي بعض البلدان التي تجمع بين الثراء الشديد في الموارد والفقر الشديد للسكان، تستخدم الشركات التجارية الكبرى سلطتها للحصول على امتيازات من الحكومات، وحرمان السكان المحليين من مزايا هذه الموارد، وتدمير أرزاقهم، ونزوحهم عن ديارهم، وتعريضهم للتدهور البيئي. وقد أدى الاستياء من الظلم وإهدار حقوق الإنسان إلى قيام مظاهرات يجري قمعها بوحشية. ومن الأمثلة على ذلك دلتا نهر النيجر الغنية بالنفط في جنوب نيجيريا، والتي مزقتها أحداث العنف على مدار العقدين الماضيين.

ولطالما قاومت الشركات العملاقة المواثيق الدولية المُلْزمة. وعلى الأمم المتحدة أن تتصدى لذلك التحدي، وأن تضع مواثيق، وتنشر آليات من شأنها مساءلة الشركات الكبرى عن تأثيرها في حقوق الإنسان. ويزداد إلحاح الحاجة إلى المواثيق العالمية والمساءلة الفعالة، بسبب ظهور الشركات المتعددة الجنسيات في السوق العالمية، وهي شركات تنتمي إلى نظم قانونية وثقافية متنوعة.

كما إن اشتداد طلب الشركات المندمجة الكبرى على الأراضي والأخشاب والموارد المعدنية يشكل تهديداً للهوية الثقافية والحياة اليومية نفسها للكثير من مجتمعات السكان المحليين في أمريكا اللاتينية، إذ تعرض بعضها للتمييز العنصري فأُسقطت في هُوة الفقر المدقع وسوء الأحوال الصحية، حتى أصبحت على شفا الانهيار. وفي هذا الإطار كان عجز الجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 2006، عن اعتماد "إعلان حقوق الشعوب الأصلية" يمثل شهادة مؤسفة أخـرى على تغلب المصالح ذات النفوذ على قدرة المستضعفين نفسها على البقاء.

وعلى الرغم من زيادة غنى الأغنياء يوماً بعد يوم، فإن أمنهم لا يزداد بالضرورة تبعاً لذلك. فارتفاع معدلات الجريمة، وأحداث العنف المسلح تمثل مصدراً دائماً للخوف، وهو ما يدفع حكومات كثيرة لانتهاج سياسات تزعم مناهضتها الشديدة للجريمة، ولكنها في الواقع تلصق الجرائم بالفقراء، وتعرضهم لخطر مزدوج يتمثل في أحداث العنف من جانب العصابات والرقابة الوحشية من جانب الشرطة. بل إن ارتفاع مستويات العنف من جانب المجرمين والشرطة في سان باولو، ووجود الجيش في شوارع ريو دي جانيرو في عام 2006، شاهد على فشل سياسات الأمن العام في البرازيل. ومن الواضح بجلاء أن توفير الأمن لفئة واحدة على حساب حقوق فئة أخرى لا ينجح؛ إذ تدل التجارب على أن أفضل وسيلة لتدعيم الأمن العام هي تطبيق منهج شامل يجمع بين تحسين رقابة الشرطة وتوفير الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والمسكن للمجتمعات المحلية الفقيرة، بحيث يشعر أفرادها أيضاً بأنهم يستفيدون كذلك من وجود مجتمع يتمتع بالأمن والاستقرار.

وفي نهاية المطاف، فإن تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجميع يمثل أفضل منهج للتصدي لمخاوف الأغنياء والفقراء على حد سواء.

التمييز والحق في الاختلاف

يغذي الخوف مشاعر الاستياء، ويؤدي إلى التمييز والعنصرية واضطهاد الأقليات العرقية والدينية، وإلى كراهية الأجانب التي تفضي بدورها إلى الاعتداء عليهم، وعلى المواطنين الذين وُلدوا في بلاد أجنبية.

وعندما تغض الحكومات الطرف عن العنف العرقي، فإن ذلك العنف قد يصبح داءً مستوطناً. وتشيع في روسيا جرائم الكراهية للأجانب والأقليات، ولكن مرتكبيها كانوا حتى عهد قريب لا يُحاكمون إلا فيما ندر، لأن هذه الجرائم كانت تغذي الدعاية القومية للسلطات.

ومع توسع الاتحاد الأوروبي شرقاً، يتعرض التزامه بالمساواة وعدم التمييز لاختبار مرير يتمثل في معاملته لطائفة "الروما" (الغجر) فيه.

فلا تزال المواقف المناهضة لطائفة "الروما" راسخة في أوروبا، من دبلن إلى براتسلافا، وتتسم بالفصل العنصري والتمييز في التعليم والصحة والإسكان، والاستبعاد من الحياة العامة، وهو ما لا يزال قائماً في بعض البلدان.

وفي كثير من البلدان الغربية، ينشأ التمييز من الخوف من الهجرة التي لا ضابط لها، كما أنه تفاقم، بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، بسبب إستراتيجيات مكافحة للإرهاب التي تستهدف العرب والآسيويين والمسلمين. وهكذا فقد أدى الخوف والعداء من جانب إلى الشعور بالاغتراب والغضب في الجانب الآخر.

وكان من شأن زيادة الاستقطاب أن تزيد المتطرفين قوةً على الجانبين معاً، فتقلصت بذلك المساحة المتاحة للتسامح وقبول الاختلاف. وتتكاثر أمام أعيننا الأحداث الدالة على الخوف من المسلمين ومعاداة السامية، وقد ارتفعت مشاعر العداء للغرب ولأمريكا في مناطق كثيرة في العالم عما كانت عليه في أي يوم مضى، على نحو ما تدل عليه سهولة تدبير بعض الجماعات لأعمال العنف، في أعقاب نشر بعض الصحف الدانمركية رسوماً رأى فيها كثير من المسلمين إساءةً إليهم.

وكانت الحكومة الدانمركية على حق في الدفاع عن حرية التعبير، ولكنها لم تقم بالتأكيد القوي والفوري لالتزامها بحماية المسلمين المقيمين في الدانمرك من التمييز والنبذ الاجتماعي. ودعا الرئيس الإيراني إلى عقد مناظرة لتعزيز إنكاره لوقوع حقيقة تاريخية، هي الإبادة النازية لليهود. كما أقر البرلمان الفرنسي قانوناً جديداً يُجرِّمُ إنكار أن الأرمن عانوا من الإبادة الجماعية على أيدي الدولة العثمانية.

تُرى أين يجب رسم الخط الفاصل بين حماية حرية التعبير، ومنع التحريض على الكراهية العرقية؟

على الدولة أن تلتزم بتعزيز عدم التمييز ومنع وقوع الجرائم العنصرية، ولكنها تستطيع الوفاء بهذا الالتزام دون الحد من حرية التعبير، ولا يجب الاستخفاف بتقييد حرية التعبير. نعـم، لاشك أنها يمكن أن تُستغل في نشر الأكاذيب إلى جانب الحقائق، ولكنه لا سبيل سواها لإقامة الحجة على كـذب الأكاذيب، ولا سبيل سواها لإظهار الحقيقة وإقامة العدل. ومن ثم، ينبغي عدم وضع أي قيـد على حرية التعبير، إلا إذا توافر القصد الواضح للتحريض على الكراهية العنصرية أو الدينية، لا حيث يكون القصد التعبير عن الرأي مهما يكن مُرَّ المذاق.

وفي قضية "شركة ألبرت – إنغلمان ضد النمسا" (يناير/كانون الثاني 2006) وصفت "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" حرية التعبير بأنها "من الأسس الجوهرية للمجتمع الديموقراطي، ومن الشروط الأساسية لتقدمه وتحقيق كل فرد لذاته ... ولا تنطبق الحرية فقط على "المعلومات" أو "الأفكار" [التي تُعتبر مقبولة] بل أيضاً على ما يتسبب في الإساءة أو إحداث صدمة أو يثير القلق، فهذا شأن مقتضيات التعددية والتسامح ورحابة الأفق، فإذا غابت غاب ما يسمى "المجتمع الديموقراطي"".

وتعد حرية التعبير عنصراً أساسياً من عناصر الحق في اختلاف الآراء، فإذا غاب الاختلاف تعرض الحق في حرية التعبير للخطر. وإذا غاب الاختلاف اختنقت الحرية. وإذا غاب الاختلاف اشرأبت هامة الطغيان.

ومع ذلك فلا تزال حرية التعبير والاختلاف تتعرض للقمع بشتى الأساليب، من اضطهاد الكُتَّاب والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في تركيا، إلى أحداث القتل السياسي التي يتعرض لها المناضلون اليساريون في الفلبين.

وربما كان الشكل الوحيد المتاح للاحتجاج المتاح للمعتقلين في المعتقل الأمريكي في خليج غوانتنامو هو الإضراب عن الطعام. وفي عام 2006، لجأ نحو 200 معتقل إلى ذلك، فقام الجنود بإطعامهم بالقوة، وذلك بإدخال أنبوب داخل فتحة الأنف، وهو أسلوب يتسبـب في ألم بالغ وإهانة شديدة. وعندما قيل إن ثلاثة رجال قد انتحروا، وصف قائد القوات الأمريكية فـي خليج غوانتنامو ما حدث بأنه "حرب غير نظامية".

وكثيراً ما كانت الحكومات تلجأ إلى ذريعة الأمن القومي لقمع الاختلاف. وفي السنوات الأخيرة، أدى اشتداد المخاوف بشأن الإرهاب وانعدام الأمن إلى تعزيز القمع، أو مخاطر القمع، بأساليب شتى.

وقد كُتبَ عُمْرٌ جديدٌ "للأساليب القديمة" لانتهاك حرية التعبير، وحق الاجتماع وحق تكوين الجمعيات، في إقليم شمال إفريقيا والشرق الأوسط. أما في الدول ذات النظم الديموقراطية المتحررة، فإن شبكة القوانين والسياسات المناهضة للإرهاب، وهي شبكة تتسع باطراد، تشكل تهديداً محتملاً لحرية التعبير. ففي عام 2006، على سبيل المثال، أصدرت المملكة المتحدة قانوناً بإنشاء جريمة ذات تعريف غامض هي جريمة "تشجيع الإرهاب"، وهي تتضمن الفكرة التي تثير حَيْرَةٌ أكبر وهي "تمجيد الإرهاب".

وفي الولايات المتحدة، أبدت السلطات حرصاً على التوصل إلى مصدر تسريب الأنباء التي نُشرت في صحيفة "واشنطن بوست" عن السجون السرية التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية، وتسمى "المواقع السوداء"، أكبر من حرصها على التحقيق في السياسات التي أدت إلى إنشاء هذه السجون السرية أصلاً، مخالفةً بذلك القوانين الدولية والقوانين الأمريكية نفسها.

وكان الاتجاه التسلطي في روسيا ذا آثار فادحة على الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فبعد ان نجح الرئيس فلاديمير بوتين في تخويف جانب كبير من الصحافة الروسية أو في السيطرة عليه، راح يحول اهتمامه إلى المنظمات غير الحكومية الروسية والدولية في عام 2006، بإصدار قانون ينظم تمويلها وأنشطتها، وهو قانون كان مثار خلاف. وعشية اجتماع "مجموعة الدول الثمانية الصناعية الكبرى"، عقد الرئيس بوتين اجتماعاً دعائياً مع مجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومية، ومن بينها منظمة العفو الدولية. وحينما أُحيط علماً بما لذلك القانون من آثار ضارة على المجتمع المدني في روسيا، وحَثَّهُ الحاضرون على إيقاف تنفيذه ريثما تجري مشاورات أخرى بشأن إدخال تعديلات فيه، رَدَّ عليهم قائلاً "لم نصدر هذا القانون حتى نلغيه". ولم تمض ثلاثة أشهر حتى استغلت السلطات القانون الجديد في إغلاق "جمعية الصداقة الشيشانية الروسية، وهي منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان تعمل على فضح الانتهاكات المرتكبة في الشيشان.

ومما يدعو للأسف أن روسيا ليست البلد الوحيد الذي يسعى لإسكات الأصوات المستقلة في مجال حقوق الإنسان. فقد أصدرت حكومات شتى، من كولومبيا إلى كمبوديا ومن كوبا إلى أوزبكستان، قوانين جديدة لفرض القيود على منظمات حقوق الإنسان وعمل المناضلين، فوصمتهم بالخيانة أو بالتخريب، ورفعت القضايا على من تجاسروا على فضح انتهاكات حقوق الإنسان، كما شنت حملات لتلويث سمعتهم بالتعاون مع بعض أجهزة الإعلام التي لا خلاق لها، في محاولة لبث الرعب ونزع الشرعية عن عمل المناضلين.

وفي عصر التكنولوجيا أصبحت شبكة الإنترنت هي الأفق الجديد في الكفاح من أجل الحق في الاختلاف. ولكن بعض الحكومات، مثل إيران، وبيلاروس، وتونس، والصين، ومصر، والمملكة العربية السعودية، تلجأ بمساعدة عدد من أكبر شركات تكنولوجيا المعلومات في العالم، إلى فرض الرقابة على "غرف الدردشة"، ومحو المدونات، ووضع القيود على وسائل البحث، وحجب المواقع. وقد زُجَّ في السجن بالبعض في أوزبكستان، وسوريا، والصين، وفيتنام، ومصر بسبب نشر المعلومات في الإنترنت وتبادلها.

إن من حق كل فرد أن ينشر ويتلقى المعلومات ويعبر عن معتقداته السلمية دون خوف أو تدخل. ولهذا، قامت منظمة العفو الدولية، بتأييد من صحيفة "الأوبزيرفر" البريطانية (التي نشرت أول نداء من منظمة العفو الدولية عام 1961) بشن حملة في عام 2006 للتدليل على أنه لا الحكومات ولا الشركات الكبرى تستطيع إسكات المناضلين في سبيل حقوق الإنسان، على شبكة الإنترنت أو سواها.

الخوف وحرية المرأة

تتجلى العلاقة الخبيثة بين التمييز والاختلاف بأوضح ما يكون في مجال قضايا المرأة، إذ تعرضت المناضلات للاعتقال بسبب المطالبة بالمساواة بين الجنسين في إيران، وتعرضن للقتل بسبب الدعوة إلى تعليم الفتيات في أفغانستان، وتعرضن للعنف الجنسي والتشنيع بهن في شتى أنحاء العالم. وأما المناضلات في مجال الميول الجنسية والحقوق الإنجابية فكُنَّ يُستهدفن بصفة خاصة ويتعرضن للتهميش وللاعتداء.

وتتعرض المدافعات عن الحقوق الإنسانية للمرأة لخطر مزدوج، باعتبارهن مناضلات وباعتبارهن نساء، أي بسبب العمل وبسبب الهوية معاً. وهن يتعرضن للهجوم من جانب الدولة والمجتمع، ليس فقط لأنهن يفضحن انتهاكات حقوق الإنسان، بل أيضاً لأنهن يتحدين هياكل السلطة الأبوية والأعراف الاجتماعية والثقافية لإخضاع المرأة والرضا عن التمييز وتسهيل العنف ضد المرأة.

وفي غضون السنوات الأخيرة، عانت الحقوق الإنسانية للمرأة من اتجاهين متلازمين هما "رد الفعل المعادي" و"التراجع"، إذ إن رد الفعل المعادي لحقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب قد أضر بالمرأة مثلما أضر بالرجل، كما إن الحكومات قد تراجعت عما وعدت به من تعزيز المساواة بين الجنسين، في المناخ الذي يسوده الخوف والأصولية الدينية.

ولا يزال العنف ضد المرأة، في جميع المجتمعات بشتى أنحاء العالم، من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وأشدها شيوعاً اليوم.

وتشتد حدة العنف بسبب الإفلات من العقاب، واللامبالاة، والتفاوت. ومن الأمثلة الصارخة على الإفلات من العقاب ذلك الصراع الدائر في دارفور، إذ زادت حوادث الاغتصاب في عام 2006، بازدياد حدة الصراع المسلح وانتشاره إلى المناطق المجاورة في تشاد. ومن أبشع الأمثلة على اللامبالاة ما حدث في غواتيمالا، التي شهدت مقتل ما يزيد على 2200 امرأة وفتاة منذ عام 2001، ومع ذلك لم يتم إجراء تحقيقات إلا في عدد بالغ القلة من الحالات، ولم يُحاكم الجناة إلا في عدد أقل من هذا القليل. والأمثلة كثيرة على تأثير التفاوت، وربما كان من أشدها إثارة للأسى ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال، في بيرو مثلاً، بسبب التمييز في الخدمات الصحية.

ويشهد العالم إنفاق مليارات الدولارات من أجل "الحرب على الإرهاب"، ولكن أين هي الإرادة السياسية أو الموارد اللازمة لمحاربة الإرهاب الجنسي ضد المرأة؟ وقد كان العالم كله يعلن عن غضبه من الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فأين التعبير عن الغضب من الفصل بين الجنسين في بعض البلدان اليوم؟

وسواء كان مرتكب العنف جندياً أو من قادة المجتمع، وسواء كانت السلطات توافق رسمياً على العنف أو كانت الثقافة والعادات تسمح بها، فلا تستطيع الدولة التحلل من مسؤوليتها عن حماية المرأة.

فالدولة ملزمة بضمان حرية الاختيار عند المرأة، لا بأن تضع القيود عليها. فإذا شئنا مثالاً لذلك وجدنا النقاب أو الحجاب الذي ترتديه المسلمات، والذي أصبح قضية خلافية فيما بين الثقافات المتباينة، إذ يرى فريق إنه رمز مرئي للقهر، ويرى الفريق الآخر أنه الرمز الأساسي للحرية الدينية. وإذا كان من الخطأ إرغام المرأة في المملكة العربية السعودية أو إيران على ارتداء النقاب، فمن الخطأ كذلك منع المرأة أو الفتاة في تركيا أو فرنسا قانوناً من ارتداء منديل الحجاب. ومن الغباء أن يزعم القادة الغربيون أن قطعة من الملابس تشكل حاجزاً رئيسياً أمام الوفاق الاجتماعي.

وتقضى ممارسة المرأة لحقها في التعبير والدين بأن تتمتع بحرية اختيار ما تريد أن ترتديه. ومن واجب الحكومات والزعماء الدينيين إيجاد المناخ الآمن الذي تستطيع كل امرأة فيه ممارسة هذا الاختيار دون التعرض لخطر العنف أو القسر.

ومعنى الطابع العالمي لحقوق الإنسان أنها تنطبق على المرأة مثلما تنطبق على الرجل. وهكذا فإن عالمية الحقوق، في الفهم والتطبيق معاً، تُعتبر أقوى سلاح لمواجهة العنف ضد المرأة، والتعصب، والعنصرية، وكراهية الأجانب، والإرهاب.

الخوف من الإرهاب

لا يشتد ساعد الخوف في مناخ مثلما يشتد في مناخ الإرهاب ومكافحة الإرهاب، حيث تتجلى أشد آثاره ضرراً. فمن حق الناس، سواء كانوا في مومباي أو مانهاتن، أن يتمتعوا بالأمن، ومن واجب الحكومات أن توفر ذلك الأمن. ولكن إستراتيجيات مكافحة الإرهاب التي أُسيء فهمها لم تنجح نجاحاً يُذكر في تقليل خطر العنف أو في ضمان العدالة لضحايا الهجمات، بل إنها أضرت ضرراً كبيراً بحقوق الإنسان وسيادة القانون.

وحينما حالت المحاكم في عام 2004 دون متابعة الحكومة البريطانية تطبيق سياسة اعتقال الأشخاص إلى أجل غير مسمى دون تهمة أو محاكمة، لجأت الحكومة بصورة متزايدة إلى ترحيل الأشخاص، أو إلى ما يسمى "أوامر الرقابة"، التي تتيح لوزير الداخلية، من الناحية الفعلية، فرض الإقامة الجبرية في المنزل على الأشخاص دون إقامة الدعوى الجنائية. ومن ثم، يُدان المشتبه دون أن تصدر أية محكمة حكماً بذلك، ويتعرض جوهر سيادة القانون إلى التشويه مع الحفاظ عليه صورياً.

وفي عام 2006، أصدرت اليابان قانوناً يقضي بتعجيل ترحيل أي شخص يعتبره وزير الداخلية "إرهابياً محتملاً". واستناداً إلى ذلك، لن يُبت في مصير الأشخاص استناداً إلى ما فعلوه بل استناداً إلى قدرة الحكومات، التي تحيط بكل شيء علماً، على التنبؤ بما يمكن أن يفعلوه!

وتمارس الإدارة الأمريكية بلا هوادة وبلا قيود سلطة تنفيذية تقديرية، إذ تعتبر هذه الإدارة العالم ميدان قتال كبير في ما تشنه من "الحرب على الإرهاب"، فتُقْدمُ على اختطاف من تشتبه فيه أو تقبض عليه أو تحتجزه أو تعذبه، إما مباشرة أو بمعونة بلدان أخرى بعيدة عن بعضها البعض مثل باكستان وغامبيا، وأفغانستان والأردن. وفي سبتمبر/أيلول 2006، اعترف الرئيس بوش أخيراً بما كانت منظمة العفو الدولية تعرفه منذ أمد طويل، ألا وهو أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تدير معتقلات سرية في ظروف تعتبر جرائم دولية.

ولا تتمثل عولمة انتهاكات حقوق الإنسان بدقة أكبر مما تتمثل به في برنامج الحكومة الأمريكية الخاص بحالات "الترحيل الاستثنائي". وقد أسفرت التحقيقات التي أجراها مجلس أوروبا، والبرلمان الأوروبي، إلى جانب التحقيق العام في كندا، عن توفر أدلة قاطعة تؤكد ما كانت منظمة العفو الدولية قد انتهت إليه، من مشاركة عدد من الحكومات الأوروبية وغيرها في ذلك، أو تواطئها أو رضاها منه، سواء كانت ديموقراطية مثل كندا أو استبدادية مثل باكستان. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بترحيل مئات الأشخاص دون وجه حق إلى بلدان مثل سوريا والأردن ومصر. وفي ظل هذا النظام المحاط بالسرية والغموض، يتعرض أولئك الأشخاص لخطر الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وقد انتهى الأمر ببعضهم في غوانتنامو، أو في السجون التي تديرها الولايات المتحدة في أفغانستان، أو "المواقع السوداء" التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية. ومن جهة أخرى، لا يستطيع المحامون مخاطبة السلطات، أو المطالبة بالفحص القضائي أو المحاكمة العادلة للمحتجزين في معتقلات سرية، لسبب بسيط وهو أنه لا أحد يعرف أين هم، ولا الجهة التي تحتجزهم. كما تصبح الرقابة الدولية أمراً مستحيلاً لهذه الأسباب نفسها.

وتستخدم الإدارة الأمريكية لغة مزدوجة المعايير بلا أدنى خجل، وإلى حد مثير. فلقد أدانت سوريا باعتبارها جزءاً من "محور الشر"، ولكنها نقلت مواطناً كندياً هو ماهر عرار إلى قوات الأمن السورية كي تتولى التحقيق معه، رغم أنها تعلم حق العلم أنه يتعرض بذلك لخطر التعذيب. وكانت باكستان من الدول الأخرى التي توددت إليها الإدارة الأمريكية واعتبرتها من حلفائها في "الحرب على الإرهاب"، على الرغم من بواعث قلقها بشأن سجل باكستان في مجال حقوق الإنسان.

ومن حسن الحظ أن بلداناً كثيرة بدأت تدرك باطراد، على ما يبدو، أن تحقيق الأمن بغض النظر عن تكاليفه هو إستراتيجية خطرة وتنطوي على مساوئ، إذ تزداد صرامة المؤسسات الأوروبية في طلب المساءلة، ويقل استعداد المحاكم للتسليم بمزاعم الحكومات. وقد أدى التحقيق العام في كندا إلى طلب اعتذار وتعويضات من السلطات الأمريكية عما حدث لماهر عرار، والمطالبة بالتحقيق في الحالات المماثلة الأخرى. وتؤدي التقارير الصادرة من مجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي إلى المطالبة بزيادة الرقابة على أجهزة الأمن. بل إن إيطاليا وألمانيا قد أصدرتا أوامر بالقبض على بعض عملاء وكالة الاستخبارات المركزية.

لقد نشأت قوة دفع واضحة تناصر الشفافية والمساءلة ووضع حد للإفلات من العقاب.

ولكن على الولايات المتحدة تتقبل هذا الأمر؛ إذ أقنع الرئيس بوش الكونغرس، في نوبة الحُمَّى الدعائية عشية الانتخابات، بإصدار "قانون اللجان العسكرية"، الذي يلغي تأثير الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في 2006 في "قضية حمدان ضد رامسفيلد"، ويضفي الطابع القانوني على ما وجده العالم غير أخلاقي. وقد وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" هذا القانون بأنه "قانون استبدادي سوف يعتبر من الدرجات الدنيا في تاريخ الديموقراطية الأمريكية".

ولا تزال الإدارة الأمريكية تصمُّ آذانها عن النداءات التي تنطلق من شتى أنحاء العالم مطالبةً إغلاق معتقل غوانتنامو، ولا تشعر بأي ندم على إقامة تلك الشبكة العالمية من الانتهاكات باسم مكافحة الإرهاب، وتتناسى هموم الآلاف من المعتقلين وأسرهم، والإضرار بسيادة القانون وحقوق الإنسان، وتدمير السلطة الأخلاقية التي تتمتع بها، إذ انخفضت إلى أدنى حد لها في شتى أنحاء العالم، في حين تظل مستويات انعدام الأمن مرتفعة كما كانت.

وفي عام 1987 كتب برينان، القاضي في المحكمة العليا الأمريكية، قائلاً "في كل مرة ينفرج فيها ما تعتبره الولايات المتحدة "أزمة"، كانت الولايات المتحدة تشعر بتأنيب الضمير حين تدرك أن إلغاء الحريات المدنية لم يكن لازماً. ولكنها لم تستطع منع نفسها بعد ذلك من تكرار ذلك الخطأ عند نشوء الأزمة التالية".

ويبعث الكونغرس الأمريكي الجديد الآمال في أن الأوضاع سوف تتغير، وأن الأعضاء من الحزبين الديموقراطي والجمهوري سوف يدركون مصلحة الحزبين في إعادة الاحترام لحقوق الإنسان في الداخل والخارج، وفي المطالبة بالمساءلة، وتشكيل لجنة تحقيق، وإلغاء "قانون اللجان العسكرية" أو تعديله بما يتفق والقانون الدولي.

التحرر من العنف

عندما يُهدر البعض القيم العالمية لحقوق الإنسان ويظلون بمنأى عن العقاب، ترفع المصالح الضيقة رؤوسها، وعادةً ما تكون من ورائها جماعات تمثل الانتماء الطائفي والعرقي والديني، وتستخدم العنف أحياناً. وعلى الرغم من أن ممارساتها كثيراً ما تخالف حقوق الإنسان، فإنها تكتسب التأييد من الناس العاديين في عدد من البلدان، لأنها تظهر بمظهر المناوئ للمظالم التي تتجاهلها الحكومات ويتجاهلها المجتمع الدولي.

وفي الوقت نفسه تتقاعس الحكومات عن التقدم لمحاسبة هذه الجماعات المسلحة عن انتهاكاتها، بل إنها، فيما يبدو، تشجع العوامل التي تفرزها وتتبناها.

ففي أفغانستان، أهدرت الحكومة، مثلما أهدر المجتمع الدولي، فرصة بناء دولة عاملة ناجحة تقوم على أسس حقوق الإنسان وسيادة القانون. والواقع أن الجماهير قد فقدت الثقة في الحكومة بسبب تفشى انعدام الأمن والإفلات من العقاب، وفساد المؤسسات الحكومية وعدم فاعليتها، إلى جانب ارتفاع مستوى البطالة والفقر، في الوقت الذي يزداد فيه الاستياء بسبب قتل الآلاف من المدنيين نتيجة العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة. واستغلت حركة "طالبان" وجود هذا الفراغ السياسي والاقتصادي والأمني في فرض سيطرتها على مناطق كبيرة في جنوب البلد وشرقها.

وقد كان للمغامرة العسكرية الطائشة في العراق عواقب وخيمة في مجال حقوق الإنسان والقانون الإنساني، مما خلَّف المرارة في نفوس السكان، وقَوَّى شوكة الجماعات المسلحة، وخفض مستوى الأمن في العالم. وقد تحول التمرد إلى صراع طائفي وحشي دموي. ولا تكاد الحكومة تبدي التزاماً بحماية حقوق الإنسان للعراقيين جميعاً. وأما قوات الشرطة العراقية فقد تسرب إليها الكثيرون من أفراد الميليشيات الطائفية فباتت تشجع الانتهاكات بدلاً من كبح جماحها. ويتسم نظام العدالة العراقي بالعجز إلى درجة مؤسفة، على نحو ما أكده إجراء المحاكمة المعيبة للرئيس السابق صدام حسين، وإجراءات تنفيذ الإعدام المرعبة.

وإذا كان لنا أن نأمل على الإطلاق في أن يتغير التكهن العام بمستقبل العراق، فلا بد أن تقوم الحكومة العراقية، مع من يدعمونها عسكرياً، بوضع بعض المعايير الواضحة لحقوق الإنسان، وذلك بنزع سلاح الميليشيات، وإصلاح حال الشرطة، ومراجعة النظام القضائي، وإنهاء التمييز الطائفي وضمان مساواة المرأة في الحقوق.

وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، أدى التأثير التراكمي للتدابير التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك القيود التي تزداد صرامة على حرية التنقل، وتوسيع المستعمرات، وبناء الجدار الفاصل داخل الضفة الغربية، إلى خنق الاقتصاد المحلي. وبات الفلسطينيون العاديون محصورين بين شقي الرحى، فهناك من جهة الصراع بين حركتي "حماس" و"فتح"، وهناك من جهة أخرى القنابل التي يلقي بها الجيش الإسرائيلي دون حساب للعواقب. ولما كان السكان الفلسطينيون، الذين يتكون معظمهم من الشباب، لا يجدون العدالة ولا يرون في الأفق نهاية وشيكة للاحتلال، فقد أصبحوا يتخذون مواقف جذرية. ولن تنجح هدنة في الصمود، ولن تثمر أية عملية سياسية في الشرق الأوسط، ما لم يبادر المسؤولون بالتصدي للإفلات من العقاب، وإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وأمن البشر.

وفي لبنان، ازداد عمق الانقسامات الطائفية في أعقاب الحرب بين إسرائيل و"حزب الله". والواقع أن عدم المساءلة عن الانتهاكات الجارية والسابقة، ومنها ما ارتُكب خلال الحرب الأخيرة، والاغتيالات السياسية وحالات الاختفاء القسري إبان الحرب الأهلية (1975 – 1990)، يُعتبر من مصادر الإحساس بالظلم الذي تستغله جميع الأطراف. وتتعرض الحكومة للضغط عليها حتى تتنازل عن حيز أكبر "لحزب الله". ويتهدد لبنان خطر حقيقي بالسقوط من جديد في هوة العنف الطائفي.

ويرسم أحد المعلقين صورة مستقبلية كالكابوس يرى فيها سقوط الدول، من هندوكوش إلى القرن الإفريقي، وفي قلب هذه المجموعة المزعزعة توجد العراق والأراضي المحتلة ولبنان، وعلى الجانبين باكستان وأفغانستان والصومال. ويتحدث معلقون آخرون عن إحياء التفكير الذي ساد فترة الحرب البادرة، أي الاستقطاب بيننا "نحن" وبينهم "هم"، وفي هذا الإطار تسعى الدول القوية لمحاربة أعدائها في حروب بالوكالة، أي أن تدور هذه الحروب في الفناء الخلفي لدولة أخرى. وإن صح هذا، فإن حقوق الإنسان سوف تواجه مستقبلاً بشعاً ورهيباً.

نظرة إلى المستقبل

للمرء أن يستسلم لأعراض مرض الخوف أو أن ينتهج منهجاً يختلف اختلافاً جذرياً، وهو منهج يقوم على الاستدامة لا على الأمن.

وربما يكون مصطلح الاستدامة مألوفاً لخبراء التنمية الاقتصادية والمعنيين بشؤون البيئة في المقام الأول، ولكنه ذو أهمية جوهرية أيضاً للمناضلين في سبيل حقوق الإنسان. فالإستراتيجية المستدامة تعني تعزيز الأمل وحقوق الإنسان والديموقراطية، بينما تقتصر الإستراتيجية الأمنية على التصدي للمخاوف والأخطار. وإذا كان أفضل سبيل لتأمين الطاقة يتمثل في التنمية المستدامة، فإن أفضل وسيلة لتحقيق أمن البشر تتمثل في المؤسسات التي تعزز احترام حقوق الإنسان.

وتتطلب الاستدامة رفض تقاليد الحرب الباردة، التي تجعل لكل دولة عظمى مجموعة ترعاها من الدول ذات النظم الاستبدادية ونظم الحكم الغاشمة. فالاستدامة تعني تعزيز القيادة ذات المبادئ الثابتة والسياسات المستنيرة.

وتتطلب الاستدامة تدعيم سيادة القانون وحقوق الإنسان، على المستويين الوطني والدولي. فلقد اجتذبت الانتخابات قدراً كبيراً من الاهتمام الدولي، من بوليفيا إلى بنغلاديش، ومن شيلي إلى ليبيريا. ولكن لم يعد كافياً، كما اتضح في حالتي جمهورية الكونغو الديموقراطية والعراق، إيجاد الظروف التي تتيح للناس الإدلاء بأصواتهم. فالتحدي الأكبر هو تعزيز الإدارة الصالحة، بما في ذلك إقامة هيكل قانوني وقضائي فعال، وسيادة القانون المستندة إلى حقوق الإنسان، ووجود صحافة حرة، ومجتمع مدني نشيط.

وتعتبر إقامة نظام يعمل بكفاءة في مجال سيادة القانون على المستوى الوطني الضمان الأخير لحقوق الإنسان. ولكن هذا النظام القانوني لن يحقق العدالة الحقة إلا إذا عمل حساباً للنساء والفقراء. إذ إن غالبية الفقراء اليوم محرومة من حماية القانون، وإدخالهم تحت مظلة القانون بصورة فعالة يتطلب إحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في السياسات والبرامج العامة. أما المرأة فما زالت محرومة من المساواة أمام القانون في عدد كبير من البلدان، وحصولها على المساواة في التمتع بجميع حقوق الإنسان شرط أساسي ليس فقط لاستدامة حقوق الإنسان، بل أيضاً لتحقيق الازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.

وتتطلب الاستدامة تنشيط عملية إصلاح الهيئات المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة. فلقد عانت مصداقية مجلس الأمن الدولي مر المعاناة بسبب إهانته وتجاوزه من جانب أقوى أعضائه، وتجاهل بعض الحكومات له مثل السودان وإيران. ولكن أي فشل للأمم المتحدة يعني تقليص سلطة أقوى الدول الأعضاء فيه. ومن مصلحة الولايات المتحدة ذاتها أن تتخلى عن منهجها الانتقائي في التعامل مع الأمم المتحدة، وأن تعترف بقيمة تعدد الأطراف باعتبارها وسيلة جوهرية لتعزيز المزيد من الاستقرار والأمن من خلال حقوق الإنسان.

وقد ظهرت على "مجلس حقوق الإنسان" بالأمم المتحدة بعض الدلائل التي تبعث على القلق بشأن الانقسام بين بعض أعضائه، مما يعيد إلى الأذهان مشاكل الهيئة التي خلفها. ولكن التغيير ما زال ممكناً، إذ تستطيع البلدان الأعضاء أن تنهض بدور بنَّاء، وبعضها، مثل الهند والمكسيك، تقوم فعلاً بهذا الدور، حتى تزيد قدرة المجلس على التصدي لأزمات حقوق الإنسان، وتقل فرص وقوعه فريسة للتلاعب السياسي و"الانتقائية" السياسية.

وعلى الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أيضاً أن يؤكد وجوده، ويثبت زعامته باعتباره نصيراً لحقوق الإنسان. وتُعد مسؤولية الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان مسؤولية فريدة لا يستطيع كيان آخر أن يغتصبها. ويجب على جميع أجهزة الأمم المتحدة ومسؤوليها أن يلتزموا ويفوا بها.

وتعني الاستدامة، في سياق حقوق الإنسان، بث الأمل وتنميته. ولنا أن نستقي من الأمثلة العديدة في عام 2006 دروساً للمستقبل.

فقد كان إنهاء الصراع الذي استمـر عقداً كاملاً في نيبال، بكـل ما شهده من انتهاكات لحقوق الإنسان، مثالاً واضحاً لما يمكن تحقيقه بالجهود الجماعية، إذ قُوبل النداء القوي الذي وجهه شعب نيبال باستجابة من الأمم المتحدة والحكومات التي يهمها الأمر، والتي تعاونت مع الزعماء السياسيين الوطنيين والمناضلين في سبيل حقوق الإنسان داخل البلد وخارجه.

وللعدالة الدولية أهمية حاسمة في الحفاظ على احترام حقوق الإنسان. وفي عام 2006 قامت نيجيريا أخيراً بتسليم الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور إلى "المحكمة الخاصة لسيراليون"، لكي يُحاكم على ما ارتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وبدأت "المحكمة الجنائية الدولية" أولى محاكماتها لأحد أباطرة الحرب من جمهورية الكونغو الديموقراطية بتهمـة تجنيد الأطفال في الجيش. والمتهم التالي في قائمة هذه المحكمة هو "جيش الرب للمقاومة"، وهو جماعة متمردة أوغندية، وكذلك مرتكبو الفظائع في دارفور. ويمثل إصرار هذه المحكمة على مساءلة الجماعات المسلحة إلى جانب الحكومات سابقةً مهمة في الوقت الذي تستعرض الجماعات المسلحة قوتها التي تعود بأوخم العواقب على حقوق الإنسان.

وأدت الحملة الهائلة التي قامت بها منظمات المجتمع المدني إلى صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2006 بالبدء في العمل على إعداد "معاهدة لتجارة السلاح". إذ إن انتشار الأسلحة يشكل خطراً كبيراً على حقوق الإنسان، ويعتبر استعداد الحكومات للسيطرة عليه خطوة مهمة على طريق تحقيق "التحرر من الخوف".

وقد حدثت هذه التطورات الإيجابية، وكثير غيرها، بسبب شجاعة المجتمع المدني والتزامه. وتتمثل أهم الدلائل التي تحيي الأمل في تغيير واقع حقوق الإنسان في حركة حقوق الإنسان نفسها، أي في الملايين من المدافعين، والمناضلين والناس العاديين، ومن بينهم أعضاء منظمة العفو الدولية، الذين يطالبون بالتغيير.

إن المسيرات، والالتماسات، والرسائل الإلكترونية، والمدونات على الإنترنت، والقمصان، والشارات على الذراع، قد لا تبدو هائلة في ذاتها، ولكنها تجمع بين الناس فتفجر بذلك طاقةً لا يجب الاستهانة بها على إحداث التغيير. لقد أصبحت دارفور كلمة شائعة في الأفواه باعتبارها رمزاً للتضامن الدولي، بفضل جهود المجتمع المدني. وإذا كانت أحداث القتل لم تتوقف للأسف، فلن يسمح المجتمع المدني لزعماء العالم بأن ينسوا دارفور ما دام أهلها يفتقرون إلى الأمن. ولا يزال أمام تحقيق العدالة للمرأة شوط طويل، ولكن الحملة التي تقوم بها شيرين عبادي، المناضلة الإيرانية في سبيل حقوق الإنسان والفائزة بجائزة نوبل للسلام، من أجل تحقيق المساواة للمرأة في إيران، قد أضاءت لهباً لن تخبو جذوته حتى يتحقق النصر في المعركة. وتزداد باطراد قوة الحملة التي تنشد إلغاء عقوبة الإعدام، بفضل المجتمع المدني.

إن ما في أيدي الناس من قوة سوف يغير وجه حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين. وسيظل هذا الأمل قوياً ومفعماً بالحياة.

طباعة النص del.icio.us Digg Stumbleupon

هذا شريط فيديو يتضمن لمحة عامة ويقدم لكم ملخص منظمة العفو الدولية للعام الماضي - انقروا أعلاه للحصول على النسخة

افتح في نافذة جديدة



أغلق هذه النافذة

إلى:

من:

لن تقوم منظمة العفو الدولية أو أية منظمة أخرى بالاتصال بك أو بأي من المتلقين عن طريق البريد الإلكتروني من دون موافقتك